كانت الساعة السابعة صباحا، يوم 25 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1977، حين دق جرس باب منزل محمد إبراهيم كامل الذى فاجأه الرئيس السادات
كانت الساعة السابعة صباحا، يوم 25 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1977، حين دق جرس باب منزل محمد إبراهيم كامل الذى فاجأه الرئيس السادات بتعيينه فى منصب وزير الخارجية يوم 24 ديسمبر 1977، بعد أن ظل المنصب شاغرا لأسابيع باستقالة الوزيرين إسماعيل فهمى ومحمد رياض احتجاجا على زيارة السادات للقدس.
دخل شاب وسيم أنيق بملابس مدنية، وقدم نفسه لمحمد إبراهيم كامل بأنه النقيب عمرو حمدى من قوة حراسة الوزارات، ومكلف بحراسته ومرافقته، حسبما يذكر «كامل» فى مذكراته «السلام الضائع»، مضيفا: «نزلت فوجدت سيارة مرسيدس مزودة بالتليفون فى انتظارى، وسيارة أخرى مخصصة للحراسة بداخلها أربعة من رجال الأمن، وتوجهنا إلى مطار ألماظة الحربى، حيث قابلت حسنى مبارك نائب الرئيس، وركبنا طائرة هليكوبتر حربية توجهت بنا إلى الإسماعيلية ووصلناها فى الساعة التاسعة والنصف صباحا».
كان السادات فى انتظار عقد جلسة مباحثات مع مناحم بيجين رئيس الحكومة الإسرائيلية، يتذكر «كامل»: استدعيت لمقابلة السادات الذى كان ينتظرنى فى حديقة الاستراحة جالسا يستمتع بدفء الشمس الساطعة، ورحب بى بحرارة، وذكر أنه لم يكن يعلم بوجودى، وكان يظن أننى ما زلت موجودا سفيرا لمصر فى بون «عاصمة ألمانيا الغربية وقتئذ».يذكر كامل أنه عاتب الرئيس على تعيينه وزيرا دون أخذ رأيه، وعبر له عن عدم ارتياحه للاشتراك فى المباحثات مع الوفد الإسرائيلى التى ستبدأ فى غضون ساعة، دون أن يكون لديه أية خلفية عنها أو معرفة بجدول أعمالها والمواضيع التى ستناقش.
رد السادات قائلا لـ«كامل»، إنه سمح لنفسه بتعيينه دون سؤاله لأنه بمثابة ابنه - كان السادات أكبر كامل بتسع سنوات - وأنه اختاره لأنه يريد شخصا يثق به تماما، ويتصف بالوطنية والشجاعة، وأضاف: «لو علمت عدد الذين كانوا يتهافتون على التعيين فى هذا المنصب لما أسفت».
يكشف كامل، أن السادات انساب فى حديث طويل عن المتناقضات القائمة بين الدول العربية، وخاصة الرئيس السورى حافظ الأسد الذى ضاق السادات ذرعا به، وتحدث عن موقف الاتحاد السوفيتى الذى يسعى لإسقاطه شخصيا، ويعمل على تخريب أى جهد للخروج من الحلقة المفرغة التى يدور فيها النزاع العربى الإسرائيلى، وأنه لا يستطيع ربط مصر بعجلة القافلة العربية التى تشتعل فيها نيران الغيرة والغدر والمنافسات على الزعامة والمزيدات.
يتذكر كامل، أنه أثناء حديثهما، حضر حسن كامل رئيس الديوان، وأبلغ الرئيس بوصول طائرة الوفد الإسرائيلى برئاسة مناحم بيجين، فخرج الرئيس لاستقباله ثم اصطحب أعضاء الوفد إلى غرفة الاستقبال بالاستراحة وتناولوا جميعا بعض المرطبات.
بقى «كامل» فى الحديقة يحاول الحصول على خلفية للمحادثات من الدكتور عصمت عبدالمجيد عضو الوفد المصرى والذى أصبح وزيرا للخارجية فى عهد الرئيس مبارك، لكن حسن كامل رئيس الديوان حضر ليبلغ «كامل» بأن الرئيس يطلبه لحلف اليمين كوزير للخارجية، وأنه يعتزم أن يشارك مناحم بيجين وبعض أعضاء الوفد الإسرائيلى فى مراسم حلف اليمين، كتعبير عن روح الود والسلام.
يصف «كامل» مشاعره حين استمع إلى الكلام الذى أبلغه به حسن كامل، قائلا: «صدمت من الذهول، وطلبت من حسن كامل أن يبلغ الرئيس أن مثل هذا لم يقع فى العالم من قبل، وأن هذه عملية لا شأن للإسرائيليين بها، وعلى كل حال لن أقوم بحلف اليمين أمامهم مهما حدث».
يكشف كامل: «عاد حسن كامل ضاحكا وأخبرنى بأن الرئيس وافق على رأيى وعدل عن فكرته، وذهبت معه إلى غرفة الاستقبال حيث كان يجلس السادات مع بيجين وبعض معاونيه، فاستأذن منهم وتوجه إلى ركن من الغرفة، ووقف على يمينه حسنى مبارك، وعلى يساره ممدوح سالم، وقمت بحلف اليمين، ولم أكد أنتهى حتى حضر بيجين وأعوانه والمصريون الحاضرون وصافحونى مهنئين، وغادرت الغرفة مع باقى الحاضرين إلى قاعة الاجتماع وتركنا السادات وبيجين لاجتماع مغلق بينهما».
كان قسم اليمين هو الجولة الأولى فى الخلاف بين السادات وكامل، وبالرغم من أن الأخير كسبها إلا أنها أنبأت بطبيعة شخصيته كوزير للخارجية، فهو مستقل، معتد بنفسه، ويصف حالته بعد أداء قسم اليمين ومصافحة المهنئين له ومنهم الوفد الإسرائيلى: «دون سابق إنذار اعترانى شعور داخلى غريب، أحسست أننى استيقظت من كابوس ثقيل، فجأة رحل عنى شعور القلق والاضطراب الذى لازمنى فى العشرين ساعة الأخيرة، منذ أعلنت الإذاعة نبأ تعيينى وزيرا للخارجية إلى أن حلفت اليمين أمام الرئيس السادات فى ركن غرفة صغيرة بمدينة الإسماعيلية، على مرأى ومسمع من قادة إسرائيل أعدائنا اللدودين، الذين حاربونا وحاربناهم على مدى ثلاثين عاما، والذين سنبدأ المبارزة معهم سعيا وراء حل سلمى بعد دقائق قليلة».