طلب السلطان العثمانى محمود الثانى من وزيره الكبير «رشيد باشا» إعداد جيش جديد لمواجهة الجيش المصرى بقيادة إبراهيم باشا، حسبما يذكر الدكتور عبدالرحمن زكى فى كتابه «التاريخ الحربى لعصر محمد على».
طلب السلطان العثمانى محمود الثانى من وزيره الكبير «رشيد باشا» إعداد جيش جديد لمواجهة الجيش المصرى بقيادة إبراهيم باشا، حسبما يذكر الدكتور عبدالرحمن زكى فى كتابه «التاريخ الحربى لعصر محمد على»، مضيفا: «فى أخريات أكتوبر 1832 انتظم الجيش، وبلغ عدده 80 ألف جندى، ولم يدخر السلطان وسعا لبث الحماسة فى صدور جنوده الذين يتوقف عليهم كيان دولته، وتوسل إلى ذلك بشتى السبل، من طوابير العرض إلى مقابلة الضباط والتوسع فى إقامة الولائم للجند وتوزيع النياشين على الضباط إلى منح الرتب المتعددة وكسوات التشريفة والخلع الثمينة والسيوف، وكان يداوم على حضور الصلوات مع أفراد جيشه».
أقدم السلطان محمود الثانى على كل هذا خوفا من زحف «إبراهيم باشا» بجيشه إلى مدينة «قونية» ثم إلى العاصمة العثمانية «استانبول» والسيطرة عليها، بعد أن أخضع كل الأراضى السورية إليه، وحسب «زكى»: «دخل أضنة فى 13 يوليو 1832، وفيها تلقى من والده أمرا بالوقوف، فقد بلغ الغاية التى كان يسعى إليها، أى الوصول إلى آخر حدود البلدان العربية، وبقى فى خط دفاعه منتظرا أوامر أبيه»، وخلال فترة انتظاره تبادل مع والده خطابات تدور حول رأى كل منهما فى التقدم نحو «قونية».
وفيما كان محمد على حذرا حكيما، بتقدير عبدالرحمن زكى، كان إبراهيم متحمسا والسبب: «حدة طبعه وقناعته بأن العالم السياسى لا يخضع أبدا إلا أمام العمل المنتهى»، حسبما يذكر جيلبرت سينويه فى كتابه «الفرعون الأخير - محمد على» ترجمة: عبدالسلام المودنى.
كتب إبراهيم لوالده يستأذنه بالزحف على قونية، ثم الآستانة، ويرجوه فى أن يحمل خطباء المساجد على الخطبة باسمه طبقا لتأكيد «زكى»، لكن محمد على رد عليه فى الثامن من سبتمبر 1832، قائلا: «تقول لى فى كتابك إنك تريد أن تسلم المعدن وهو حام، وأنك تريد أن يخطب باسمى فى جميع المساجد والمعابد، فاعلم يا ولدى إنا لم نصل إلى مركزنا الذى نشغله الآن بقوة الوداعة وخفض الجانب، فإنه يكفينى أن أحمل اسم «محمد على» خالصا من كل رتبة وزينة فهو أكبر لى من جميع ألقاب السلطنة والملك، لأن هذا الاسم وحده هو الذى خولنى الشرف الذى يجللنى الآن، فكيف أستطيع يا ولدى أن أتركه إلى سواه، لا يا ولدى إنى أحفظ اسمى «محمد على» وأنت يا ابنى تحفظ اسمك إبراهيم، وكفى».
يؤكد «زكى» أن إبراهيم ألح فى طلبه لوالده مرة ثانية فى رسالة جديدة، فيرد الأب بالموافقة لكنه يوصيه بألا يتجاوزها، قائلا: «بعد أن تشتت بقايا الجيش العثمانى القديم، عد إلى بيلان»، فيرد إبراهيم: «إذا نحن تقهقرنا عزوا ذلك إلى الجبن والخوف وإلى عجزنا عن مقابلته، وفوق هذا كله فإن «الصدر الأعظم» يغنم الفرصة للزحف على قونية، وقد يتجاوزها للحاق بنا مذيعا خبر تقهقرنا ومن يدرى من يكون وراء ذلك فقد ينضم إليه الشعب، وقد تثور سوريا والأناضول علينا ويظل الغرض من تقهقرنا خفيا لا يفهم، وبناء على ما تقدم لا ينبغى لنا أن ندع الفرصة تفوتنا فنحن نذهب إلى قونية ونشتت العدو، وننتظر فيها وصول الصدر الأعظم لنقهره إذا أراد مهاجمتنا، لذلك أطلب منك يا والدى أن ترسل آلايين من المدد فى الحال».
جدد «الأب» تأكيده على الابن بألا يتجاوز قونية، قائلا: «كل تقدم أبعد من قونية فى ظل الظروف الراهنة لن ينظر إليه بشكل جيد من قبل القوى العظمى»، وبشروط «الأب» تحرك إبراهيم بجيشه يوم 17 نوفمبر 1832 ودخلها فى الليل.
ويؤكد زكى: «اتخذ إبراهيم باشا ضواحى قونية قاعدة عسكرية، وأخذ يعد قواته لقتال الأتراك، ويدرب جنوده على التمرينات فى المواقع التى توقع نشوب المعارك فيها، وكان عدد قواته لا يتجاوز 18 ألف مقاتل، منهم ألف من البدو، إلا أنه كان يمتاز بحسن النظام وكفاية القيادة والتدريب على القتال وسمو المعنويات».
ويؤكد عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «عصر محمد على»: «فى 18 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1832، وصلت طلائع الجيش التركى بقيادة رءوف باشا إلى شمالى قونية، وكانت مؤلفة فى الغالب من الجنود غير النظامية، فناوشهم إبراهيم باشا ليتحقق مبلغ قوتهم»، وكانت النتيجة حسب زكى: «ردت الجنود التركية على أعقابها مدحورة بعد أن أسر منها 500 أسير، وتركت ثمانية بيارق وخمسة مدافع وكمية وفيرة من العتاد»، ومضت أيام 18 و19 و20 ديسمبر فى مناوشات حتى كانت المعركة الكبرى يوم 21 ديسمبر 1832.